بهلوانيات نتنياهو

بهلوانيات نتنياهو

يمارس بنيامين نتنياهو دور البهلوان في تعامله مع الفلسطينيين، ويعتبر المفاوضات مجرد وصلة في لعبة داخل سيرك يقوم فيه بدور هذا البهلوان الذي يعتمد على الخفة والشطارة والفهلوة السياسية لإثارة مشاهديه والحصول على إعجابهم.

نجح نتنياهو حتى الآن في أداء هذا الدور، وجعل الجانب الفلسطيني يجلس في سيركه مستمتعاً بأدائه طوال سنوات، كما استطاع أن يحمل العرب على التصفيق له، أما الولايات المتحدة والدول الغربية فكانت تعرف الحيل التي يمارسها وترى فيها شطارة تستحق التأييد واستمرار العروض طالما لم يمل الفلسطينيون والعرب من مشاهدتها تتكرر أمامهم كل يوم.
تارة يتحدث نتنياهو عن استعداده لمفاوضات بلا شروط وتأييده لحل «الدولتين»، ثم يضع سلسلة من الشروط التي لا يمكن أن تؤدي إلى مثل هذا الحل.. وبعد ذلك يتحدث عن استحالة حل«الدولتين» ما يعني رفضه للمفاوضات جملة وتفصيلاً، ويعن على باله أن ينفي وجود شريك فلسطيني، ثم يشترط عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، وهكذا تتوالى فنون المواقف المتضاربة، والجانب الفلسطيني الملدوغ أكثر من ألف مرة من الجحر نفسه يواظب على حضور هذا السيرك من دون ملل رغم أنه يعرف تماماً أن الفصول التي يشاهدها هزلية وهو المقصود فيها، أي كمن يضحك على نفسه، أو بالأحرى مثل الهرة التي تتلذذ بلعق المبرد، رغم أنها تلعق دمها وليس دم غيرها.
آخر الفصول الجديدة في سيرك نتنياهو هو ما تفتقت عنه عبقريته من فهلوة وشطارة عندما أبلغ الأسبوع الفائت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيرني رغبته في استئناف المفاوضات.. لكن لماذا؟ بهدف التوصل إلى تفاهمات حول حدود الكتل الاستيطانية في القدس والضفة الغربية التي ترغب «إسرائيل»في الاحتفاظ بها في أية تسوية. هذا يعني أنه يريد أن يشرعن الاستيطان في الأرض الفلسطينية وجعله أمراً واقعاً، وهذا يعني رسمياً ضم الكتل الاستيطانية، أي ضم المزيد من الأرض إلى الكيان، مع العلم أن المستوطنات الحالية تلتهم حوالى ربع الضفة الغربية، وإذا ما أضيفت إليها المستوطنات والوحدات السكنية الجديدة التي تخترق الضفة في كل الاتجاهات، فلن تبقى هناك مساحة مترابطة يمكن أن تقام عليها «دولة»، هذا إذا تم الاتفاق على قيامها.
لعل السؤال الموجه إلى السلطة بعد هذا الفصل الجديد من سيرك نتنياهو هو: ألم تمل السلطة بعد من المشاركة في هكذا سيرك؟ والرهان على معجزة لن تأتي لتغير المشهد المكرور الذي صار مبتذلاً وتافهاً، مع يقينها بأن المعجزة الحقيقية متوفرة في الشعب الفلسطيني الصامد الصابر القادر على أن يغير المعادلة إذا قررت السلطة أن تغادر هذا السيرك؟

الخليج